كانت تجلس في المقعد الأمامي إلى جانبه في سيارة لم يعرف هو لونها ولا شكلها إلا بعدما شاعت في أرجائها رائحة هذه المحبوبة التي بثت من أ انفاسها روحاً فيه ..
ولكن
.
.
.
هذه الأنفاس إلى أي مدى ستعيشه ؟
وكم من العمر ستعطيه ؟
وهل هي في الواقع صالحة له ؟
قال : إلى أين تحبين أن نتوجه ؟
قالت : حيثما تريد .. المهم عندي أن أكون بجانبك
قال مبتسماً : لكن ليس كل مكان أرغب أنا في الذهاب إليه يصلح بصحبتكِ ..
قالت : أتريد أن تستفز مشاعري بقولك هذا ؟
قال : لا .. لكني أريدكِ أن تؤمنِ بذلك ..انظري انظري إلى الأمام ؟
قالت : ماذا ؟؟
قال : إن إشارة المرور أشعلت اللون الأحمر
قالت : وماذا يعني ذلك ؟
قال : ذلك يعني أن من الأدب أن نتوقف أمامها الآن حتى تسمح لنا خضورتها بعبور الطريق
ابتسمت و قالت : نعم . سنلتزم بالأدب ونتوقف
وفي أثناء هذا التوقف مدت هي معصم يدها أمامه
وقالت : انظر انظر
قال : ماذا ؟
قالت : إن عقارب ساعتي قد توقفت
ابتسم وقال : نعم نعم ومن الأدب أن أشتري لك ساعة غيرها تفوقها في الجمال وطول العمر وبهذا نكون قد حددنا إلى أين نحن سائرون
قالت : إلى أين نحن سائرون ؟
قال : لنشتري ساعة تليق بجمال كفك المصون
ابتسمت في خجل وقالت : لا حرمني الله منك
تغيرت ملامحه تصببت بعض من قطرات العرق على جبينه حينما سمع هذه الكلمة ( لا حرمني الله منك )
أحست هي بذلك فقالت : هل أنا أخطأت الدعاء ؟؟
لم تسمع منه جواب لكنه كلمها بلغة الإشارة ونفى ذلك
.
.
.
فجاءة توقفت السيارة والسبب هو نفاذ الوقود الذي يحركها
سألته : ما بك توقفت ؟
قال : لقد نفذ وقود السيارة ولا يوجد محطة قريبة منا ترجع لها الحياة من جديد
قالت : والعمل ؟
قال : أمرنا لله وللذاكرة التي أنستني أخذ الاحتياط في ذلك ليس لنا سبيل إلا تحرير أقدامنا من هذه العربة وإكمال الطريق سيراً .. ما رأيك ؟
قالت : الرأي لك
أخذت أثار خطواتهم تتعانق في ذاك الطريق
وفجاءة أدار هو بظهره واستند إلى الجدار
قالت : ما هناك ؟ ما بك توقفت ؟ أتريد مني إخراج الكاميرا كالعادة والتقاط صورة لك .. وبعدها نتبادل الدور وتتسلم أنت الكاميرا وتلتقط
صورة لي؟
قال : لا لكن .. ( وسكت )
قالت : لكن ماذا ؟
قال : أعطيني يدك
مدت كفها له . أمسكها .. دفع بها ناحية صدره لتتحسس هي نبضات قلبه
وقعت عينها في عينه فسقطت من عينه ألف دمعة
قالت له بصوت مرتجف : ما بك ؟ ولما دقات قلبك تنبض ببطء ؟
قال : آن لها أن تتوقف .. و آن لك من الأدب أن تحترمي هذا التوقف وترضي به
سقط بقوة على الأرض هسقوط أوراق الخريف
ولم تستطع يداها أن تتلقفه وكأنه فر منها بلا عودة
قالت : هذا ما أردت مني أن أكون مؤمنة به .. هذا ما أردت مني أن أتوقف عليه وأتأدب في استقباله .. تحنن عليَ بنبضة واحدة اشتريها بكل ما أملك فقط لأبث لك فيها ما كان لي معك وقت الحياة وما سيكون بعد هذا الرحيل
الحقيقي
أتاها خيال وجوده ليقول لها : من الأدب أن تشتري فقط ما يُشترى ( كالساعة التي قصدناها في هذا المسير ) وأن نبضات قلبي غير قابلة للبيع والإشتراء وأن هذا طريق يختلف عن الطريق الذي سلكناه والكل عابر به لا محالة
محبوبتي اعلمي إن إشارة الطريق أردت أن ألفت نظرك لها لتعرفي أن لكل شيء حد .. وتوقف عقارب ساعتك أتى في الوقت نفسه لينبئك بأن ل كل شيء نهاية والطريق نفسه يعلمك أن الحياة كلها درب قد تفرعت فيه طرق كثيرة وأن الموت واحد منها وآخر ما يمر به أي شخص فالتزمي آداب كل الطرق وتزودي بكل ما يعينك على عبورها و لا تنسي زاد النفس كما نسيت أنا زاد وقود السيارة فيتعبك المسير ..